ميدل إيست آي: الهجوم الإيراني كشف عن ضعف إسرائيل وحاجتها للآخرين كي تدافع عن نفسها  

2024-04-15

 

كانت الولايات المتحدة تعرف ماذا يريد نتنياهو عمله، فهذه هي المرة الثالثة التي يحاول جرها خلال 14 عاما لمواجهة مباشرة مع إيران (أ ف ب)نشر موقع “ميدل إيست آي” تحليلا لمحرره ديفيد هيرست، قال فيه إن الهجمات الإيرانية فضحت ضعف إسرائيل. فقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعرف بالضبط ما كان يفعله عندما أمر بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، قبل أسبوعين وقتل فيه أكبر جنرال إيراني وهو محمد رضا زاهدي من بين عدة قادة في الحرس الثوري الإيراني.

 فقد ذهب الهجوم أبعد من محاولة الحد من الأسلحة التي ترسلها إيران إلى حزب الله في لبنان أو إبعاد الحركة اللبنانية عن حدودها الشمالية. فما فعلته إسرائيل في 1 نيسان/إبريل كان محاولة لسحق القيادة الإيرانية في سوريا. وبعد ستة أشهر من الحرب في غزة التي تواجه فيها القوات البرية الإسرائيلية مقاومة فلسطينية عنيدة لم تظهر إشارة عن الاستسلام أو الهرب ووسط الدمار الذي جرى على قاعدة توراتية ومعاناة حقيقية للسكان.

ولو كان هناك شيء، فإن المزاج بين مقاتلي حماس قد اشتد، ويشعرون أنهم نجوا من الأسوأ ولا شيء لديهم ليخسروه. ولم يتحول سكان غزة ضدهم، واحتلال رفح لن يغير أي شيء لهم كما يقولون. ويسخرون من إسرائيل التي تتحدث عن قوة كتائبهم. وبعد هجوم كهذا فقد أصبح لديهم مصدر غير محدود من المتطوعين للقتال والأسلحة. وفي الوقت الذي يتجمد فيه القتال في غزة، تتزايد المعارضة لقيادة نتنياهو وهناك مخاطر حقيقية من التوصل لاتفاق يعيد الأسرى لدى حماس أحياء.=

وأصبحت الخلافات مع داعمه الرئيسي، الرئيس الأمريكي جو بايدن علنية وخسر الرأي العام وتحولت إسرائيل تحت قيادة نتنياهو إلى دولة مارقة.

ومرة أخرى أرادت إسرائيل لعب دور الضحية والحفاظ على أسطورة أنها تقاتل من أجل وجودها، وأي طريقة أحسن بالنسبة للمقامر نتنياهو غير رمي حجر الزهر وضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث كان يعرف وبشكل كامل ماذا يعني ضرب القنصلية الدبلوماسية.

وكانت الولايات المتحدة تعرف ماذا يريد نتنياهو عمله، فهذه هي المرة الثالثة التي يحاول جرها خلال 14 عاما لمواجهة مباشرة مع إيران.

ولهذا السبب سارعت الولايات المتحدة لإخبار إيران ألا علاقة لها بالهجوم ولم تعرف عنه إلا عندما كانت الطائرات في الجو.

وأخذت إيران الوقت، وشاهدت ما حدث في مجلس الأمن عندما تقدمت روسيا بمشروع بيان لشجب ضرب القنصلية والذي أفشله الفيتو الأمريكي والفرنسي والبريطاني. وقالت إنها لن تضرب إسرائيل لو تم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتم تجاهل هذا الموقف أيضا، ثم تداعت كل الدول الغربية للطلب من إيران ألا تضرب إسرائيل، أما بايدن فاكتفى بالقول: لا تفعلي.

وعندما حان موعد الضربة تم تصميمها لكي ترسل عدة رسائل إلى الولايات المتحدة وإسرائيل والمنطقة العربية. فقد كانت إيران تريد تسجيل سابقة بضرب إسرائيل بدون أن تثير حربا شاملة في المنطقة. وأرادت إخبار إسرائيل بأنها تستطيع ضربها، وأرادت أن تخبر الولايات المتحدة أنها قوة في الخليج وستظل هناك وهي من يتحكم بمضيق هرمز. كما وأرادت أن تخبر كل نظام عربي يتملق لإسرائيل أن نفس الشيء قد يحدث له. ولم يصل إلا عدد قليل إلى الأهداف المحددة، ولكن الرسائل كلها وصلت.

وكان الهجوم بمثابة نجاح استراتيجي ونكسة لسمعة إسرائيل المتنمر الرئيسي في الحي.

 وبدأ إرسال الرسائل بسيطرة الحرس الثوري على “ام أس سي أرياس” حاملة النفط التي ترفع العلم البرتغالي، وهي حاملة بحسب وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا) تعود إلى شركة مديرها الملياردير الإسرائيلي إيال عوفر. ثم أطلقت أسرابا من المسيرات الرخيصة الصنع باتجاه إسرائيل وأخبرت الجميع أن لديهم 8 ساعات للتحضير. وكلفت العملية إسرائيل أكثر من مليار دولار لكي تفعل أنظمتها الدفاعية حسب الجنرال ريم أمينووتش.

وكان هذا جزءا بسيطا من الفاتورة، ذلك أن أربع دول أخرى ساهمت في إسقاط المسيرات، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا والأردن. وهناك دولة خامسة محتملة، وهي السعودية التي عبرت منها الأسراب من جنوب العراق باتجاه إسرائيل، أما الدولة السادسة فربما كانت مصر.

وكانت هذه حملة دفاعية كبرى، فقد لاحظ بعض الأوكرانيين يوم الأحد أن الدول نفسها ترفض تقديم المنظومة الدفاعية لهم. ومقابل هذه الحملة الباهظة الثمن، استخدمت إيران 170 مسيرة ذات الكلفة المتدنية فيما كانت صواريخ الكروز التي تتراوح ما بين 25- 30 صاروخا والتي أسقطتها إسرائيل للتمويه. واستطاعت الصواريخ الباليستية وصواريخ أصغر اختراق المجال الإسرائيلي وضرب قاعدة نيفاتيم في جنوب إسرائيل.

 وفي الوقت الذي قال فيه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هجاري إن الآثار التي تركتها الصواريخ الإيرانية طفيفة، مع أننا لن نعرف حجم الضرر، ولكن الرسالة كانت واضحة وهي أن إيران تستطيع ضرب إسرائيل من على بعد. وكانت هذه الأسلحة مجرد عينة من القدرات الصاروخية، حيث حذرت طهران الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها ستضرب بقوة لو حدث رد، وبخاصة القواعد العسكرية الأمريكية على الجانب الآخر من الخليج وفي العراق، تماما مثلما حدث بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني في 2020.

وكانت الرسالة من إيران للولايات المتحدة قوية جدا، وهي أنها تستطيع ضرب إسرائيل بصواريخ باليستية متحدية الغرب وتحذيرات بايدن، ويمكنها عمل نفس الشيء مع أمريكا في الخليج، ولكنها لا تريد الحرب أو تسعى إليها. وإن لم ترد الحرب فعلى أمريكا ضبط الطفل المدلل العنيد والذي قام والده بتدليله لوقت طويل ويشعر أنه يستطيع فعل ما يريد في المنطقة. ويواجه نتنياهو معضلة الآن، فقد يختار إرضاء اليمين المتطرف ويرد بضربة قوية وإن لم يحدث هذا فربما وجد أن المجال الجوي بين تل أبيب وطهران صعب. ولو شن هجوما فستتدهور علاقاته السيئة أصلا مع الولايات المتحدة، وقد يجد معارضة من المؤسسة العسكرية والأمنية التي أوقفته عن التحرك ضد إيران عام 2010.

وإن لم يتحرك فسيبدو ضعيفا أمام منافسيه بشكل يفتح المجال لزعيم المعارضة بيني غانتس وبقية أعضاء حكومة الحرب الذين دعوا لحملة دبلوماسية، وهي نفس الحملة التي كان العرب يلجأون إليها في كل هزيمة يتلقونها من إسرائيل. وتجد الولايات المتحدة وللمرة الخامسة خلال العقود الثلاثة الماضية انهيار واحدة من الركائز لدبلوماسيتها الخارجية. فقد أضيف لكوارث السياسة الخارجية الأمريكية كقرار الإطاحة بطالبان وبصدام حسين والتخلص من معمر القذافي ليبيا ومحاولة الإطاحة ببشار الأسد في سوريا، كارثة خامسة وهي قرار دعم الغزو الإسرائيلي لغزة.

وكانت أمريكا بطيئة لاكتشاف الكارثة التي عملتها جراء دعم الرد الإسرائيلي على هجوم حماس في تشرين الأول/أكتوبر، تماما كما كانت بطيئة لاكتشاف خطأ غزو العراق. وكانت شهادة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أمام الكونغرس أنه لم ير أدلة عن ارتكاب إسرائيل إبادة في غزة تذكيرا مخيفا بخطاب كولن باول أمام مجلس الأمن والذي قدم فيه أدلة زعم فيها امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل. وكان خطاب باول عام 2003 مهما في خسارة أمريكا المصداقية الدولية، وظلت تغرق بشكل مستمر منذ ذلك الوقت.

واليوم قادت إسرائيل داعميها لحفرة لا أمل فيها للسلام ولا منظور لواحد ولا هزيمة لحماس أو منظور حكومة ما بعد الحرب وتراجع في الردع لكل الجماعات المسلحة بالمنطقة، إلى جانب منظور حرب بوتيرة منخفضة وعلى كل الجبهات المحيطة بإسرائيل.

ولعل الأمر الأكثر غباوة هو تبجح المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بأنهم حصلوا على دعم أردني في إسقاط طائرات مسيرة وصواريخ كروز. وتباهت مصادر إسرائيلية بأن الصواريخ التي كانت متجهة نحو القدس تم اعتراضها في الجانب الأردني قرب الحدود مع سوريا. وكانت الرسالة من إسرائيل هي أن لديها حلفاء في المنطقة مستعدين للدفاع عنها. ولكنها لعبة غبية من إسرائيل التي تريد الحفاظ على النظام الأردني الضعيف الذي يقاتل تدفقا في الرأي العام المطالب باجتياح الحدود.

 لكن إسرائيل لديها علاقات مع قادة عرب يتحدون شعوبهم. وربما كانت المساعدة الأردنية يوم السبت مصدر ارتياح قصير الأمد لإسرائيل لكنها ستجلب المشاكل على الحدود الطويلة. وربما احتفلت إسرائيل بأن لديها حلفاء حقيقيين ولكنها تقوم بطريقة أخرى بتقويض شرعية أصدقائها. ولكن إيران أوصلت رسالتها عن ضعف إسرائيل. وهذه هي المرة الأولى التي تضرب فيها إيران مباشرة، ومثل حماس منحت إسرائيل انطباعا أنها لا تريد الحرب، وهذه هي المرة الأولى التي يخبر فيها بايدن إسرائيل بعدم الرد. وبعد هذا الهجوم فالصورة سيئة: إسرائيل احتاجت لدعم الآخرين كي تدافع عن نفسها وليس لديها حرية الاختيار. ويترك الهجوم الحليف الأمريكي يبحث عن خيارات، وكلها سيئة.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي