الماء ثروة تتطلب فراسة

الامة برس-الشرق الاوسط:
2023-08-13

غلاف الكتابالقاهرة: خصوصية الماء عبر التاريخ الإسلامي وتطور تقنيات وطرق التنقيب عنه وموقعه في أحكام الفقه، تعد أبرز المحاور التي يتضمنها كتاب «الماء في الحضارة الإسلامية»، الذي صدر مؤخراً للدكتور خالد عزب، عالم الآثار المصري المختص بفقه العمران، ضمن سلسلة «كتاب المجلة العربية» التي تصدر بالرياض.

ويرى المؤلف أن العرب رزقوا منذ قديم الدهر فراسة حاذقة يعرفون بها مكامن المياه في باطن الأرض ببعض الأمارات الدالة على وجوده محددين بعده وقربه، بشم التراب أو برائحة بعض النباتات فيه، أو بحركة حيوان مخصوص. وقد سمى العلماء معرفتهم هذه بـ«علم الريافة»، لافتاً إلى أن هذه المعرفة الفطرية تطورت عند العرب مع تفجر ينابيع العلم في الإسلام وتبحر العلماء المسلمين فيه، فصارت بجهود علماء الرياضيات والطبيعيات علماً محرراً ومدوناً، وفناً تطبيقياً بالغ الدقة، ارتقى به بعضهم إلى اختراع موازين يزن بها ارتفاعات الأرض على النحو الدقيق الذي اهتدى إليه وشرح صفته المهندس الرياضي «الكرجي».

وعن العرف المنظم لحقوق استثمار المياه قبل الإسلام، يذكر المؤلف أن القبائل المتنقلة في أراضي شبه الجزيرة العربية كانت تستقر في مواقع خلال الترحال. في هذه المواقع ترسم مناطق على الأرض تسمى «الحريم» تحدد القبيلة مجال حق الانتفاع بالموارد المائية السطحية والجوفية القريبة إلى المضارب والواقعة ضمن نطاقها، وذلك مع مراعاة حقوق باقي القبائل من المناطق المجاورة.

كان هناك مفهوم آخر هو «الحمى» يعبر عن استعداد القبيلة للدفاع عن حقوقها، وهو مكون من عنصرين، الأول يحدد خط الدفاع الفعلي المرسوم على الأرض. والثاني يتضمن الاعتبارات المعنوية والحقوقية لكيان القبيلة، وكان انتهاك أي من هذين العنصرين يدعو القبيلة للنهوض والذود عن الحمى. ولما جاء الإسلام بوصفه قوة مصلحة ومجددة، وافق على الأعراف السائدة، لكنه ألغى كل المفاهيم التي تكرس الملكية الفردية للمياه والحقوق المطلقة للانتفاع بها، فالماء يجب أن يكون متاحاً لكل الناس، لا يجوز احتكاره أو امتلاكه أو بيعه.

ويكشف د. عزب عن عدد من الابتكارات المائية التي انتشرت في العالم الإسلامي ومنها «السانية» أو «السواني»، وهي آلة تم ابتكارها في وسط شبه الجزيرة العربية لرفع الماء من الآبار إلى مجاري ري المزروعات. كان صانع هذه الآلة وهو «الساني» يقوم بمجهود فكري لتصنيع وتركيب كل أجزاء السواني من قوائم خشبية ورشاء «حبال»، وغروب «دلاء» ومفردها «غرب»، وتدريب الحيوانات لرفع المياه من مصدرها، حيث إن الحيوان يمشي لمسافة محددة قد تصل إلى 30 متراً لرفع الماء بجر الحبال لرفع الدلاء بالماء.

وعرفت الحضارة الإسلامية قوة جريان المياه كطاقة متجددة، فيذكر القزويني أن «أهل الموصل انتفعوا بدجلة انتفاعاً كثيراً مثل شق القناة منها، ونصب النواعير على الماء نفسه، ونصب العربات، أي الطواحين، التي يديرها الماء في وسط دجلة في سفينة وتُنقل من موضع إلى موضع».

ويشير هذا النص بوضوح إلى استغلال الماء الجاري في الأنهار والقنوات المتفرعة منها في إدارة الطواحين التي تعمل بالماء كطاقة حركية مفيدة. كما ابتكر أبو القاسم بن عبد الغني الأسفوني، الذي عاش في الفترة من (574 - 649هـ / 1178 - 1251م)، طاحونة على نهر العاصي في مدينة «حماة». وعلى حجر من أحجارها نقش لصورة الأسد بارز القسمات، وحجز المياه بحواجز، كي يرشد أصحاب الطواحين إلى إيقاف طواحينهم في حالة فيض النهر، وتدويرها في حالة نقصه، فعندما تغمر مياه نهر العاصي في وقت الفيضان صورة الأسد، يجب إيقاف الطواحين، وعندما تنحسر المياه عن صورة الأسد، يمكن للطواحين أن تدور. وموضع طاحونة الأسفوني الآن، هو طاحونة الغزالة على نهر العاصي وسط مدينة حماة، وقد انطمست الآن صورة الأسد. يكشف المؤلف عن عدد من الابتكارات المائية ومنها «السانية» أو «السواني» وهي آلة تم ابتكارها في وسط شبه الجزيرة العربية لرفع الماء من الآبار إلى مجاري ري المزروعات








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي