هل سيكون حزيران المقبل شهر استقالات قادة الأجهزة الأمنية؟  
2024-04-25
كتابات عبرية
كتابات عبرية

استقالة الجنرال أهارون حاليفا من منصب رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي تعبر عن العمل المطلوب في هذه الظروف. سيخرج من يقولون إن استقالته جاءت متأخرة. وكان من الواضح أن لا أحد من الكبار يمكنه التطهر والاستمرار في منصبه كالعادة. في رسالة الاستقالة صباح الإثنين، قلب حاليفا ساعة الرمل، وفي الواقع بين الطريق أمام كبار القادة الآخرين في الجيش الإسرائيلي، وبدرجة كبيرة “الشاباك”. بعد أكثر من نصف سنة، كان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أول من قدم استقالته، وفي القريب ستقتفي أثره شخصيات رفيعة أخرى، وعدد منهم يبحث ذلك في يوم الذكرى وعيد الاستقلال.

كالعادة، لا يمكن تفويت حقيقة وجود شخص واحد ما زال يرفض تحمل المسؤولية عن الكارثة التي حدثت في ولايته وبدرجة كبيرة نتيجة سياسية، وهو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ما سيحدث الآن هو ماكينة دعايته التي ستعثر على أهداف جديدة بدلاً من حاليفا لتوجيه النار إليها والمطالبة بتعلم الدروس. وزراء كثر في حكومة نتنياهو يتصرفون مثله، حيث يظهرون لامبالاة لتداعيات الكارثة (نحو 1200 قتيل وأكثر من 250 مخطوفاً في يوم المذبحة وأكثر من 300 قتيل منذ ذلك الحين)، وربما نسوا بأن 133 مخطوفاً ما زالوا محتجزين في قطاع غزة.

فشل جهاز الاستخبارات في 7 أكتوبر كان شاملاً. لكن لا يتحمل حاليفا المسؤولية كلها، فهناك كثيرون آخرون يتقاسمون المسؤولية والذنب؛ إسرائيل برئاسة نتنياهو أدارت سياسة “فرق تسد” طوال سنين – رعاية حكم حماس القاتل (على الأغلب بشكل غير علني)، على حساب نظام إشكالي للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. بعد عملية “حارس الأسوار” في أيار 2021، التي انتهت بتعادل حامض، قام المستوى السياسي وجهاز الأمن بإقناع أنفسهم أن حماس “مرتدعة وخائفة”، وأنها في مسار الاعتدال، ولا تسعى لمواجهة عسكرية أخرى. الانعطافة الاستراتيجية التي بدأت في حماس في صيف 2021، وربما قبل ذلك، لم ندركها تماماً.

في الوقت الذي بدأت فيه حماس الاستعداد لمعركة كبيرة تغير الواقع، ركزت إسرائيل في القطاع على تبادل اللكمات مع “الجهاد الإسلامي”، واعتبرت اختيار حماس مشاهدة المواجهات من جنب دليلاً آخر على قوتها وسيطرتها على الوضع. وحدة 8200 في الاستخبارات العسكرية نجحت في الحصول على خطة حماس العملياتية، التي تحققت يوم المذبحة (ما تمت معرفته كعرض لـ “سور أريحا”) ولكن القيادة الأمنية لم تستوعب أن الأمر يتعلق بحدث حقيقي ولم تستعد له. لم يبلور كل من “أمان” (الاستخبارات العسكرية) و“الشاباك” نموذج ردع يهدف إلى متابعة الخطة وإحباطها.

كمنت الرسالة الأخيرة في خزانة الفشل ليلة 6 – 7 أكتوبر، بسلسلة مشاورات في قيادة الجيش الإسرائيلي والاستخبارات. العمى المفاهيمي، والتفكير بأن حماس لا تخطط للهجوم وأنها غير قادرة على تنفيذ اقتحام على مستوى فرقة لـ 60 نقطة اختراق في الوقت نفسه، عمل على تعويق الإشارات على الأرض، مثل استبدال بطاقات “السيم” لعشرات الهواتف المحمولة لمخربي حماس، من أجل إنذار مرتب وافع فوري لمستوى الجاهزية.

في كل هذه الأخطاء الصعبة التي ساهمت في الوصول إلى النتيجة الفظيعة، كان لحاليفا دور رئيسي. فبصفته شخصاً ذكياً وضليعاً ومشاركاً في السياسة التنظيمية، أدرك منذ بداية العاصفة التي ثارت بأن عليه تقديم استقالته. ما لم يتوقعه جيداً هو حجم الشرخ في “أمان”، الذي ترافق والشجارات بين الجنرالات والعقداء، وحجم كبير لتسريب المعلومات والتسريب المضاد. وأشارت الآلة البيبية على الفور إلى رئيس “أمان” بسبب اندماج تصريحات سابقة فظة مع نشاطات بارزة لعدد من أبناء عائلته في صفوف الاحتجاج ضد الانقلاب النظامي. في رسالة الاستقالة التي أرسلها حاليفا في صباح الإثنين إلى رئيس الأركان هرتسي هليفي، طلب تشكيل لجنة تحقيق رسمية لفحص كل الظروف التي أدت إلى المذبحة. وهذه توصية مطلوبة، لكننا نرى فيها تلويحاً بالوداع لنتنياهو. فالتحقيق المستقل وغير المنحاز هو آخر ما يريده رئيس الحكومة.

رغم نجاحاتها العملياتية في العملية البرية بالقطاع والقتال ضد حزب الله، فإن “أمان” الآن أشبه بمنطقة كوارث. إن رئيس قسم الأبحاث، العميد عميت ساعر، الذي تألم منذ اندلاع الحرب بشأن موضوع مسؤوليته عن تقديرات خاطئة في غزة، قدم استقالته قبل بضعة أسابيع لإصابته بورم خبيث. وقد استبدل به العميد ايتي بارون، وهو ضابط مخضرم في الاحتياط استدعي لتقديم لمساعدة. ضباط كبار آخرون، الذين لهم دور لا بأس به في الكارثة، ما زالوا يفحصون وقت تقديم استقالاتهم. هليفي ووزير الدفاع يوآف غالنت، كلاهما تحملا المسؤولية عن الفشل ولكنهما لم يقدما استقالتهما، وعليهما الآن اتخاذ قرار حول تعيين رئيس جديد لـ “أمان”.

يميل هليفي لتعيين العميد شلومو بندر، الضابط المتميز الذي تولى قيادة دورية هيئة الأركان، وهو الآن رئيس قسم العمليات. سيكون قراراً مختلفاً عليه. فتجربة بندر في عدة مناصب محدودة في الاستخبارات والرد البطيء لهيئة الأركان وقسم العمليات على هجوم حماس، أحد المواضيع الرئيسية التي يتم فحصها في التحقيقات الداخلية في الجيش الإسرائيلي. وثمة إمكانية أخرى بتعيين مؤقت أو دائم لضباط كبار سابقين في “أمان” مثل الجنرالات في الاحتياط نيتسان ألون وليئور كرميلي، وهو اختيار لن يمر بدون نقاشات صاخبة أيضاً.

لكن تداعيات الاستقالة منذ الصباح ستكون لها أصداء أوسع، خارج حدود “أمان” نفسها. رئيس الأركان ورئيس “الشاباك” وعدد من القادة في جهازه وقائد قيادة المنطقة الجنوبية الحالي والسابق ورئيس قسم العمليات وقائد فرقة غزة وجهات رفيعة أخرى، جميعهم في قائمة المسؤولية الفورية، ومن المرجح أنهم سيستخلصون الدروس من ذلك، وقد يحدث هذا بعد استكمال التحقيقات الداخلية، في بداية حزيران، وربما قبل ذلك. الهدوء النسبي في القتال، إلى جانب شعور مبرر في أوساط الجمهور بأن الحرب على كل الجبهات وضعت إسرائيل في حالة جمود ومتاهة استراتيجية، يستأنف النقاشات حول المسؤولية ومعناها، وحاليفا بقراره يسرع ذلك. كما قلنا، رئيس الحكومة ما زال يتصرف وكأن الأمر لا يمسه على الإطلاق.

عاموس هرئيل

هآرتس 24/4/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • ما سبب "الهلع" الذي يتملك نتنياهو وإسرائيل بانتظار "لاهاي"؟
  • كيف تبدو رفح شركاً استراتيجياً لإسرائيل؟
  • هل سيكون اجتياح رفح سبباً في نشوب حرب بين حزب الله وإسرائيل؟  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي